السبت، 1 ديسمبر 2007

مؤتمر انابوليس لضرب حماس واشياء اخرى

عودتنا الولايات المتحدة انها تندفع الى ترتيبات دبلوماسية في الفضاء السياسي إذا ما اقبلت على عمل ضخم على الأرض في المنطقة المنكوبه المعروفة باسم الشرق الأوسط؛ فقبل كل عمل عسكري وتغيرات حقيقية على الأرض فإن الحديث غالبا ما يدور حول تحرك سياسي يقوم على التهدئة قبل التحرك العسكري ومفاوضات بعده او قبله وهذا ماحدث بالفعل قبل حرب العراق الأولى وغزو العراق فيما بعد.
وعلى الرغم من ان هذا السلوك الأمريكي متكرر بحيث يفتقر للإبداع من حيث التنوع فإن العرب يقبلون في كل مرة على الوجبة الدبلوماسية الأمريكية بشهية عالية يحسدون عليها. حتى اصبح من احكام المنطق ان تقوم امريكا بتحرك دبلوماسي كمقدمه لعمل حقيقي على الأرض وفي المقابل يقوم العرب بالموافقة على تلك التحركات وبمنتهى الحماسة للرؤية الأمريكية.
لم يخرج مؤتمر انابوليس عن هذا السياق قيد انمله تقريبا حتى من ظن فيهم حسن الفطن امثال الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى الذي اطلق حكمه الشهير قبيل حرب اسرائيل المدمرة على لبنان "بموت عملية السلام" وان على العرب ان يبحثوا عن حلول اخرى ليس منها ان تكون الولايات المتحدة هي الوكيل الرسمي والمعتمد لعملية السلام في الشرق الأوسط راح يقود الجامعة العربية في مؤتمر وزراء الخارجية العرب الذي زف العرب الى مؤتمر انابوليس. ولكنه للحق فقد تطوع بمقولة تنتمي لمزاج عمرو موسى الناري ينطبق مع دوره كـ"رامبو" العرب، كما وصفه الأسرائيليون، بأن العرب لن يقدموا التطبيع مجانا هذه المرة. على الرغم من علمه كدبلوماسى مخضرم ان قرار الذهاب الى المؤتمر كان قرار اجماع عربي وان قرار التطبيع كان دوما قرار فردي يخص كل دولة على حده. ما علينا..... لسنا الأن في مجال تقييم موقف الأمين العام ولكنه من باب التذكير بالفارق الجوهري بين صاحب الموقف وصاحب القول.
ظللت في حالة حيرة شديدة لفك شفرة التوجه الأمريكي هذه المرة هل هو ترتيب لعمل عسكري ضد ايران ام هو ترتيب لعمل عسكري امريكي او اسرائيلي ضد سوريا ام ماذا؟
فالدافع الإسرائيلي لعمل عسكري كبير بات حاجة ملحه لعدة اسباب:
1- إعادة الهيبة لإ سرائيل كقوة قاهرة في المنطقة بعد ان سقطت من مرتبة القوة التي لا تقهر بعد حرب اكتوبر 73 ثم القوة القابلة "للملطشة" على يد حزب الله في حرب لبنان الأخيرة العام الماضي.
2- المستقبل السياسي للطغمه الحاكمة في اسرائيل اليوم اصبحت على المحك حيث ينتظر ايهود ألمرت حكم المحقق الإسرائيلي فينوجراد حول الحرب قريبا جدا مما يهدد بانهيار الإئتلاف الحاكم بل وقد يطيح بمستقبل حزب كاديما نفسه.
وقد استبعدت عملا عسكريا كبيرا في غزة على اعتبار ان مثل هذا العمل لن يعيد لإسرائيل هيبتها المفتقده في المنطقة.
اما الولايات المتحدة فلها ايضا اهداف من عمل عسكري كبير ضد ايران او سوريا لأسباب تتعلق بالوضع في العراق. فقد اصبحت هزيمة امريكا في العراق شبه مؤكده وأصبحت العراق جرح غائر تنزف منه ادارة بوش والحزب الجمهوري شعبيتهما بما يجعل العراق السبب الأساسي لخسارة الحزب في الانتخابات الرئاسية القادمة بعد ان لحقت بالحزب هزيمة مدوية في إنتخابات الكونجرس الأخيرة.
ولنفس الاعتبارات المتعلقة بهيبة امريكا وتواجدها في هذه المنطقة من العالم ايضا فإن حاجة الولايات المتحدة الى عمل عسكري يطيح بأعداء امريكا في العراق ورغبه اسرائيلية جامحه لوقف طموحات ايران النووية فإن الحرب على ايران اولا وسوريا بدرجة اقل قد تكون السبب لنشوب حرب جديدة في المنطقة ولآن ولاء الدول العربية اساسي في الدعم اللوجستي للقوات الأمريكية فإن عملا "دبلوماسيا" من قبيل احياء عملية السلام التى ادارت الولايات المتحدة لها ظهرها من اول يوم دخل فيه بوش الى البيت الأبيض قد يصبح مرغوبا. فالعرب يبحثون دائما على الجزر وسط العصى.
هذه المقدمه مهمه ايضا لآنها تبحث عن "النزوات والإغراءات" التى تدفع الولايات المتحدة واسرائيل لعمل عسكري في المنطقة وكذا في الدول التي تبرز لأول وهلة في الصورة كهدف لهذا العمل.
ولكن الحقيقة غالبا لا تكون في الصور شديدة القرب شديدة والوضوح رغم ان الولايات المتحدة واسرائيل والشهادة لله عودانا على انهما يعلنان عن نواياهما على رؤوس الأشهاد. فقالت الولايات المتحده انها ستغزو العراق لتغير النظام وفعلت وقالت اسرائيل انها ستحارب لبنان وفعلت. ومع ذلك فإن قليلا من إعمال الفكر في التصريحات والخطب التى اطلقها القاده هنا وهناك يوضح حقيقة البصلة الأمريكية و الإسرائيلية هذه المرة.
احتاج لبعض الإيضاحات من اجل استبعاد ملفي ايران وسوريا من سطح المكتب الإسرائيلي الأمريكي على المدى القصير والذي قد لا يتجاوز ربما ستة اشهر.
1- الأيضاح الأول استقيته من تصريحات لوزيرة الخارجية الأمريكية كوندليزا رايس نفسها عندما سألها مراسل صراحة عما إذا كان الهدف من مؤتمر انابوليس هو حصار ايران فأجابت بأن حصار ايران لا يستدعي الخوض في حل مشكلة معقدة مثل القضية الفلسطينية من اجل ضمان عزلها حيث الأمر أيسر من ذلك كثيرا.
2- الوضع في عراق نفسه والذي بحسب الإحصاءات الحكومية العراقية نفسها شهد تراجعا غير مسبوق لقتل المدنيين حيث انحفض العدد بنسبة 29% بالمقارنة بشهر اكتوبر بحيت شهد شهر نوفمبر مقتل 538 عراقي مقابل 2000 متوسط عدد القتلي شهريا وهذا يعني اول ما يعني ضبطا للحدود من حيث تسلل العناصر المسلحة او السلاح نفسه. كما يعكس ايضا تدخلات لتهدئة الوضع السياسي في العراق الذي كانت تقوده وتحركه ايران بامتياز.
3- ان التركيبة السياسية في الكونجرس اليوم باتت مختلفة فقد طغى الحزب الديموقراطى على المشهد البرلماني هناك وهم يصرون على حرمان بوش من أي نتائج ايجابية في المشهد العراقي او الدولي تعزز فرص الحزب الجمهوري لذا فإن عمل عسكري ضد ايران اوسوريا سيستنزف جهدا سياسيا جبارا في الكونجرس من اجل تمريره ناهيك عن الوضع الدولي الرافض لأي مغامرات لرئيس الولايات المتحدة الأكثر دموية.
وبالنسبة لإسرائيل فإن الوضع ايضا لن يكون سهلا بالنظر لعدة اعتبارات:
1- هشاشة وضع ألمرت السياسي بعد حرب لبنان وكذا تحالفاته التي يبقي بها على حكومته.
2- ان عمل عسكري ضد ايران لن يكون بالسهولة المتصورة لأنه لن يقف عند حد الضرب دون رد. ومن ثم فقد تتخذ اسرائيل قرارا بضرب المنشأت النووية والعسكرية الإيرانية ولكن بترتيبات شديدة التعقيد تضمن مساندة امريكية فاعلة تصل الى حد المشاركة.
3- قد تكون سوريا هدفا معقولا لحرب اسرائيلية ولكن سوريا ليست مستعده لخوض مثل هذه الحرب ولعل هذا الأمر "الاستفزاز الإسرائيلي والبرود السوري" يفسر رد الفعل السوري والإسرائيلي من استهداف اسرائيل لمواقع السورية في الشهور القليلة الماضية والسكوت السوري المريب الذي لم يتجاوز حد الإقرار المتقتضب بالهجوم الإسرائيلي.

الترتيبات الأسرائلية للحرب
ولكن هناك ترتيبات عسكرية اسرائيلية تجرى على قدم وساق منذ هزيمة اسرائيل في جنوب لبنان شملت:
1- القيادات العليا للجيش الإسرائيلي بحيث عاد وزير دفاع عسكري للمنصب بدلا من عمير ميرتز المدني. فعاد باراك الذي كان رئيسا للأركان للجيش الإسرائيلي وهو يعود يعالج اخطاءه السياسية عندما كان رئيسا للوزراء واطاحت به من منصبه. كما تم تغيير قيادات مهمة مثل رئيس الأركان.
2- تم عمل عدة مناورات للجيش الأسرائيلي في اطار اجراءات لمعالجة نواحي القصور التى ظهرت في حرب لبنان.
3- كما قامت اسرائيل بإدخال تعديلات على الدبابة ميركافه والأسلحة التقليدية الأخرى التى اثبتت فشلها في حرب لبنان.
وفي ضوء الإستعدادات الإسرائيلية للحرب والتى لا تخطئها عين وفي ضوء تباعد إحتمالية ضرب ايران وصعوبة جر سوريا للحرب على المستوى المنظور وإستحالة تجدد الحرب ضد لبنان و حزب الله بعد ان اصبحت مقاومة حزب الله وتحجيمه ونزع سلاحه مهمة دولية-لبنانية بالأساس تصبح عملية اجتياح كاسحه لغزة الهدف الأقرب الى الإحتمال للأسباب والمشاهد التالية:
اما الأسباب:
1- ان الوضع بغزة يمكن ان يكون تكرارا لنموذج حزب الله في جنوب لبنان وهو وضع تسبب بالإطاحة بقيادات في قمة الهرم العسكري بل واتهامات وتلاسن بين القيادات السياسية الحاضرة للقيادات السابقة بأنها كانت ترى الخطر يتعاظم في جنوب لبنان ولم يحركوا ساكنا حتى جاءت الكارثة. وتوصلت تلك القيادات ان غزة مرشحة لتكرار نموذج حزب الله بدافع الروح المعنوية العالية التى اكسبتها المقاومة الشعبية هناك لمثيلاتها في الأراضي المحتلة ولتشابه التكتيكات التى يمكن ان تتبع في مواجهة الجيش النظامي الإسرائيلي.
2- سيطرة حماس على غزة كانت تعني ان رهان اسرائيل على مجموعات فلسطينية تحكم المناطق الفلسطينية بالنيابة عنها تحقق اهداف اسرائيل وتحافظ على امنها اصبحت مهدده بالفناء مما يجعل اسرائيل بلا ظهير فلسطيني وفي مواجهة مجموعات عنيفة المزاج لا تقبل بأنصاف الحلول.
3- أن مستقبل الحكومة الإسرائيلية على المحك في ضوء احداث لبنان وما لم يحدث على الأرض ما يوضح ان الحكومة استطاعت اصلاح أخطاء هزيمة لبنان ومعالجتها للنواحي الأساسية لأمن اسرائيل فإنه لن يكون بإستطاعتها الإستمرار.
4- أن الشهور السته عشر الأخيرة من حكم بوش والذي قدم دعما مطلقا وبلا حدود لإسرائيل يجب ان تستغل لحل ملف شائك مثل ملف المقاومة الفلسطينية ضمن ملفات محاربة الإرهاب حيث ان مرور الوقت سيجعل من الصعب على الحكومات الأمريكية مواصلة الدفع فيه بنفس العدوانية التي تتناوله بها الإدارة الأمريكية الحالية.
اما المشاهد:
1- فهو قرار اسرائيل اسناد العمليات العسكرية في غزة الى قوات "جولاني" المعروفه بأنها القوة الأولى في اسرائيل والمعدة للحروب ضد الدول بالآساس.
2- المقالات والتحليلات في الصحف الإسرائيلية وخارجها التى تتحدث عن استعدادات اسرائيل للحرب ومزاج اسرائيلي عام يسير في هذا الإتجاه للدرجة التى جعلت كاتبة اسرائيلية تؤكد بأنها لن ترسل ابناءها ليموتوا في غزة.
3- سماح اسرائيل بإرسال 25 مدرعة روسية للسلطة الفلسطينية في رام الله واستعدادها للتزويدها بالمزيد في اطار حربها على ما اسمته الإرهاب.
4- تحدث محمود عباس "أبو مازن" نفسه حول ضرورة استعادة غزة "بالقوة" في نفس الوقت الذي كان يؤكد فيه ان القوة لن تحقق الأمن والسلام للإسرائيلين.
وعلى هذا فإن ترتيبات الحرب على غزة والتى يجب ان تكون في إطار معركة حرب ضد الإرهاب والتطرف لن تكون اسرائيل ولا ابو مازن طرفيها بل ينبغي ان تكون بدعم دولي شبية بما حدث ضد صدام في حرب تحرير الكويت.
في هذا الإطار جاء مؤتمر انابوليس لحشد الدعم للإسرائيل وعباس من اجل تحقيق حلم شديد القرب "دولة فلسطينية في 2008" هل هناك اجمل من هذا. ولكن لتحقيق هذا الحلم لابد من تطبيق خارطة الطريق وما هي إلتزامات الفلسطينيين بموجب خارطة الطريق؟ هي تفكيك الخلايا الإرهابية. وهو ما اكد عليه الرئيس جورج بوش للمؤتمر عندما أكد ان ألمرت وعباس سيشتركان بشكل فاعل في محاربة الإرهاب "بهدف عزل الإرهابيين وهزيمتهم".
أما دور الدول العربية التى ذهبت لذلك المؤتمر فهو توفير الدعم للإسرائيليين والفلسطينيين لتحقيق السلام بينهما هذا فضلا عن التطبيع مع اسرائيل وهو الذي سيؤدي للسلام الشامل وليس نتيجة له.
وكل العالم مطالب بتقديم الدعم المالي "لفياض" وهو ما طالب به بوش تحديدا أي ان القصة ليست ديموقراطية وخيار شعوب بل اختيار قوى دولية بحيث لم يجعل السلطة بقيادة عباس هى التى تستحق الدعم ليصبح الشق الثاني من السلطة الموجوده في التشريعي وغزة المستحق لقسم منه بل لفياض اختيار اسرائيل والولايات المتحدة.
ومع الحديث عن يهودية الدولة "دولة يهودية لليهود" حسب وصف بوش نفسه تصبح قضية عودة اللاجئيين في خبر كان. بل ويصبح الترنسفير وتحويل كتل كاملة من الفلسطينيين الحاملين للجنسية الإسرائيلية لفلسطين
هدف في حد ذاته. وبحسب وصف ألمرت نفسة كيف نقول بدولة فلسطينية وأخرى يمثل فيها الفلسطينيون الأغلبية. هذا بالطبع إذا ما عاد اللاجئون الفلسطينيون من منفاهم في الخارج ناهيك عن حسابات النمو الديموغرافي المستقبلي.

ولكن السؤال يبقى لماذا انابوليس ولماذا انابوليس الأن؟
1- الحقيقة ان المؤتمر يوفر الدعم الدولي الحاشد لقوى "الإعتدال" الفلسطيني "محمود عباس" ولإسرائيل في حرب مفتوحه ضد حماس وقوى المقاومة الأخرى في معركة واسعة ومفتوحة لتصفية الموقف الفلسطيني لصالح فصيل يمكن ان نطلق عليه فصيل "فتح عباس" .
2- أن اسرائيل لديها الأن شريك فلسطيني وربما يكون الأخير يتحقق فيه كل المواصفات المطلوبة. وهو مفاوض ضعيف فاقد للشعبية والكاريزما وغير محدد الأهداف و يريد السلام.. ربما سلامه الشخصي فقط بأي ثمن. ويحيط به مجموعة من اصحاب المصالح المضطربة. وهو وضع استثنائي وتاريخي بكل المقاييس.
3- أن محمود عباس يمثل ايضا وضعية مثالية حيث انه محمل بضغائن للفصيل الأساسي الثاني فى المعادلة الفلسطينية وهو حماس وهو يريد وهو الرجل الذي يريد ان يوصف بأنه رجل كله للسلام بإنها الوضع في غزة "بالقوة".
4- الوضع الفلسطيني بصورة عامة منقسم على نفسه ومن ثم فإن الوصول لسلام مع فصيل منه قد يعزز من هذا الإنقسام إن لم يؤدي لحرب اهلية فلسطينية.
5- الوضع العربي شديد التفكك والضعف وبعيد كل البعد عن الإستجابة الصحيحة للمواقف اللازمة لدعم الفلسطينيين.
6- الإدارة الأمريكية الحالية هي التى يمكن ان تقود تحالفا دوليا ضد الفلسطينيين تحت مسمى الحرب ضد الإرهاب وإجبار الدول العربية والمجتمع الدولي للإستجابه معها وهو ارث قد يتراجع كثيرا اذا ما تغيرت هذه الإدارة.
7- تيقن اسرائيل ان الوقت لم يعد في صالح امنها حيث ان أى تأخير يعني مزيدا من القوة للمقاومة ومزيدا من الضعف لأسباب حصارها.

إذا ما هي اهداف انابوليس؟
1- الهدف الأول من المؤتمر وبلا مواربه هو غزو غزة في إطار تحالف اسرائيلي-فلسطيني يهدف الى إجهاض المقاومة. ولكن يبقى السؤال هل يصل الأمر الى مجرد الإجهاض فقط ام القضاء التام عليه؟. وهو سؤال لابد ان الدوائر الإسرائلية قد اجابت عليه الأن فهل تريد استعادة غزة لصالح فتح بشروط جديده ام تريد فقط اضعاف حماس مع الإبقاء على حالة الإنقسام الحالية.
2- الهدف الثاني هو الإبقاء على حالة سيارة السلام في وضع التشغيل دون الحركة حيث ان مجرد توقف محرك السلام ليس في صالح اسرائيل بالمرة. وهي نفس استراتيجية شارون استاذ ألمرت الأول والذي نص عندما كان زعيما لليكود والذي بمقتضاه اصبح رئيسا للوزراء بإطلاق خطوات دبلوماسية اي حالة حوار بلا طائل يحسن من صورة اسرائيل ويروج لها كقوة سلام لا قوة احتلال خاصة في ضوء تراجع صورة اسرائيل في مجتمعات الصفوة حول العالم بل وذهاب بعضها لمقاطعتها.
3- الهدف الثالث وهو إذا ما وافق ابو مازن على الشروط الإسرائيلية فسيكون حلا لمعضلة المستقبل الغامض لإسرائيل في ظل اليقين عند القيادة الإسرائيلية وعندي ان الوقت ليس في صالح اسرائيل على الإطلاق.
4- الهدف الرابع وهو بداية خطوات تطبيعية مع الدول العربية من باب انابوليس وعلى اعتبار ان الجميع قد ذهب.
هل تحقق اسرائيل كل هذه الأهداف؟ ربما
هل تحقق بعضها؟ جائز
ولكن لا ينبغي ان ننسى ان كل ما يحدث لا يخرج عن اطار مؤامرة عالمية بقيادة الولايات المتحدة لتصفية القضية الفلسطينية لصالح اسرائيل وامنها ولصالح ترتيبات اكبر للمنطقة والتى لا تزال الولايات المتحدة تعتقد بل وتعمل جاهده على انفاذها وهي ترتيبات يشارك في تنفيذها افراد ودول ومنظمات بلا وعي أوبإختيار طوعي بأن يكون جزءا من المؤامرة.

الجمعة، 21 سبتمبر 2007

الفئران تموت على صوت الأمل

دخل فأر في منزلي وكان لا يزال على "البلاط" من فتحة الى جوار "عداد الكهرباء" ويبدو لسبب ما انه ضل طريق العودة. وبما انه لم يجد ماء ولا طعاما أوحتى مخرج فقد عثرت عليه ميتا في المطبخ الى اسفل الحوض. كنت مهتما في البدايه بالبحث عن المكان الذي دخل منه خاصة ان الشقة محكمة الغلق حتى تأكد لي ان الفتحة الموجودة الى جوار العداد هى المنفذ المحتمل لدخوله. ولكننى عدت بعد ذلك لأسأل نفسي ولماذا اختار ان يموت تحت حوض المطبخ. ولم اجد لذلك تفسيرا وقتها.
ولكن الحقيقة التى تبينتها لاحقا بعد ان سكنت الشقة أن مطبخي مجاور لمطبخ جاري مباشرة وإذا فتح صنبور الماء فإن صوت تدفق الماء في المواسير يكون مسموعا عندي. لقد كان الفأر يسمع صوت تدفق الماء من شقة جاري ومات على صوت الماء امله الأخير الذي كان يبحث عنه.
الحقيقة ان الأمل هو النبت الذي لا ينبغي للإنسان ان يقتلعه ابدا مهما كانت الظروف. لابد ان يتعلم ان يعيش كل منا وان يموت على الأمل. الأمل في غد افضل وحياة ارغد ومستقبل افضل لنا ولأوطاننا. ان الفطرة التى فطر الله ذلك الفأر الصغير عليها ان يموت على صوت الأمل.
والقرأن الكريم يقول " قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ " (الزمر 53) ورحمة الله تسع كل شئ وتواجه كل المصاعب التى يمكن ان تعترض طريق الإنسان.
انظر معى الى ذلك الحديث الرائع للرسول العظيم صلى الله عليه وسلم حيث يقول:( إِنْ قَامَتْ السَّاعَةُ وَفي ِيَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ، فَإِنْ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا يَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا؛ فَلْيَغْرِسْها )‏. انه حتما يزرع زرعة الأمل لأن الساعة تقوم امامه ولكن الآمل والإصرار والعمل يحتمان على كل صاحب دين ان يظل يتنفس الأمل ويزفر اليأس حتى اخر نفس.
كثيرة هي المصاعب التى تجابه الإنسان على مسار حياته وهي جميعا من باب الإختبار " أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ" (العنكبوت 2-3).
وكلها اختبارات لصدق أمل الإنسان في عظمة الله وقدرته فإذا يأس من رحمة الله- لا قدر الله- واستسلم لقهر او رضخ لخوف او حاجة خسر امله في الله وخاب ظنه فيه فكان من الخاسرين. اما إذا وثق في الله وجعل منتهى امله رضى الله مات راضيا مرضيا حتى ولو كان على صوت الأمل.

الجمعة، 31 أغسطس 2007

حرية المواطن وحرية الوطن: درس العراق لمن يتعظ

تثير الحوادث التى تعلن عنها في الفترة الأخيرة من قتل وتعذيب للمواطنين واطلاق ليد الأمن الى الحد الذي اصبح معه إلقاء مواطن من شرفة منزلة خيارا متاحا لرجال الأمن في تعاملهم مع المواطنين كما تثير حملات الإعتقالات والتنكيل بالمعارضين للنظام على اختلاف توجهاتهم وحالة التحفز والمواجهة من جانب الأمن لأي تعبير واحتجاج سلمي إلى أن مصر تنحدر وبسرعة البرق إلى هوه سحيقة يمكن أن تقضي على هذا الوطن وتسلمه طوعا او كرها للمجهول والذي لن يكون فيه الخير لأي احد سواء وقف ليعارض النظام في نهجه الحالى أو آثر السلامة.
ولعل من المناسب في مثل هذه الظروف أن نستعيد الذاكرة وأن نرسل برسائل للجميع لعل الأمر يفتح بابا للمراجعة واتخاذ خطوات حاسمة نحو وقف التدهور الحاصل في الحياة السياسية والتعامل الأمني في مصر.
ولتنشيط الذاكرة فإن استعادة احداث العراق قبل الاحتلال وبعدها يمكن أن يسهم في توضيح خطاب التحذير وتعزيز البرهان لمن أراد أن يتذكر ويتعظ.
أزعم اننى كنت من الذين حاولو متابعة احداث العراق قبل الاحتلال عن كثب ولم تكن المتابعة للأخبار والتحليلات فقط بل وللصور والمشاهد ايضا ورب مشهد بسيط يعبر عن حقائق مذهلة لأصحاب الألباب.
لقد كان النظام العراقي يفخر انه اعد للغزاة الإمريكان جيشا قوامه 7 ملايين عراقي كلهم مسلحين ومستعدين لتنفيذ تهديده بجعل الغزاة ينتحرون على اسوار بغداد.
دعنا نتنقل بين المشاهد قبل الحرب واثنائها لنرسم الصورة بشكل اوضح.
المشهد الأول كان تتناقله وسائل الإعلام عن الحياة اليومية للعراقيين اثناء الغزو وكيف كان العراقيون يمارسون حياتهم بشكل عادى من تسوق واكل وشرب وحركة. وكان اعجب ما شهدته ذلك المشهد الذي استغل فيه العراقيون انقشاع العاصفة الترابية الساخنة التى اجتاحت الأجواء في العراق مما اضطر قوات الغزاة للتوقف عن عمليات التحليق واستهداف القوات العراقية ومؤسسات الدولة. إذ فور ان تحسنت الأجواء خرجت النساء العراقيات يصحبة ابنائهن للتنزه في الحدائق وهو سلوك غير طبيعي لبلد يعيش حالة حرب وغزو كاسح.
المشهد الثاني مارسته بنفسي عندما انطلقت الدعوات للشباب العربي لضرب ارقام عشوائية في العراق والتحدث الى من يرد وتأكيد دعمنا لهم فيما هم فيه ودعوتهم للثبات والصمود. وقد قمت بهذا فعلا فاشتريت بطاقة واتصلت من كبائن الهاتف فردت سيده عراقية واندفعت بدون توقف اتحدث إليها اننا معهم واننا لو استطعنا لذهبنا لهم وظللت اردد لا تخافي إن الله سينصركم وهي ترد بصوت شديد الهدوء والثبات لا لسنا خائفين شكرا. واستوقفني بعد المكالمة الحماس الجارف من ناحيتى والهدوء غير العادي من جانب السيدة.
كان تفسيرى للمشهدين ان العراقيين الذين شهدوا حروبا وتحليقا شبه يومي وعمليات عسكرية طوال 11 سنه منذ خروجها من الكويت تعودوا على مثل هذه الأجواء وفقدوا الإحساس بالخوف فراحوا يمارسون حياتهم اليومية بلا خوف من اصوات الصواريخ الموجهة او المدافع الأرضية او غيرها من المدافع والأسلحة.
المشهد الثالث الذي استدعيه في الفترة التي سبقت الحرب مباشرة ونقل فيها التلفزيون العراقي عرضا عسكريا لقوات الشرطة عباره عن مئات من سيارات دوريات الشرطه البيضاء التى كانت تطلق اصوات ابواقها المخيفة. وكنت اتساءل لمن تستعد هذه الدوريات؟ والحقيقة انه لم تكن عندي اجابه واضحه.
المشهد الرابع كان لوزير الداخلية العراقي في ذلك الوقت الذي خرج في اليوم الأول للحرب وهو يحمل مدفع رشاش فضي ويرفعه بيد واحده وهو يقول انه يمشي حاملا هذا المدفع استعدادا للغزاة! وانه ترك ابنه الصغير يحمل رشاشا ايضا في المنزل لمواجهة المحتلين.
الحقيقة التى ادركتها متأخرا بعد انقشاع الغبار, ان المواطن العراقي كان يواجه موقف في غاية الصعوبة فوطنه مهدد بالإحتلال ولكن في ذات الوقت كان يجثم على صدره نظام اضطهده بلا رحمه وألجأ حوالي ثلث الشعب العراقي الى الهرب نجاة بأنفسهم من جبروت النظام الذي افتتح عهده بمشهد رهيب في البرلمان وصدام ينفث دخان سيجاره في الهواء ويناقش المعارضين من النواب وهو يعلن عن مؤامره اقتيد بعدها بعض الأشخاص من قبل اجهزته الأمنية خارج القاعة الى المجهول. وكان حريصا طوال عهده ان يضع نفسه في صورة مهيب الركن الذي يمتلك الحكمة والشجاعة النادرة التى لم توهب لغيره.
فقد قرر الشعب في لحظة فارقه في اختياره بين حريته الشخصية التى فقدها تحت صدام وامن وطنه وحريته التى يراها مستباحه من الأعداء أن يختار حريته الشخصية؛ هذا لا يعني طبعا انه تجاوب مع المستعمر بل التزم الحياد متصورا ان معركته مع عدوه أسهل من مواجهة آلة الرعب الجهنمية التى اخترعها وادارها صدام وحزبه بلا هواده. ومن غباء نظام صدام انه راح يعزز هذه الصورة فكون مليشيات اسماها "فدائيو صدام" وراح يحاول في محاولة بائسة لنسب أي عمل بطولي أثناء الغزو لفدائيى صدام. كل الأناشيد الوطنية التى كان يذيعها تلفزيون العراق تقريبا كانت عن "ابي عدي" صاحب الحكمة وملهمها. كأن المعركة ليست ضد العراق بل ضد صدام. إذا فليكن ليقف صدام ويخوض معركته. وفي محاولته اليائسة لاستثارة حمية الناس للخروج ضد العدو الخارجي حاول النظام ان ينسب لمواطن طاعن في السن في يده بندقية من مخلفات الحرب العالمية الأولى الفضل في اسقاط طاترة للعدو وكافأه لكي يشجع الشعب على المقاومة ولكن هيهات.
إن مشهدا واحدا لوقفة العراقيين في الطريق المؤدي لقبر الإمام على رضى الله عنه لمنع القوات الأمريكية من التوجه له لملاحقة فارين ليدل ان قطاعات عريضه من الشعب العراقي وقفت موقف المحايد من الحرب واخطر غزو ضد بلادهم.
لقد كان مشهد العراقيين الذين راحوا يفتشون عن اقارب لهم في سراديب في اماكن الإعتقال الحكومية وتوهم بعضهم انهم يسمعون اصوات استغاثات من الداخل كان موقف يشي بالمجهول الذي كان يسوق اليه صدام شعبه. واستغل الأمريكان مراكز الإعتقال وادوات التعذيب التى كانت تستخدم ضد العراقيين ابشع استخدام في الأولى استخدمت لفضح النظام الذي دمر آدمية شعبه وأعده إعدادا لتقبل الإستعمار ثم ما لبث ان استخدم نفس الأساليب الصدامية لكبت العراقيين ظانا انه لا يصلح معهم غير اسلوب صدام في التعامل.
ربما لو أن عجلة الزمن عادت بالعراقيين الى الوراء بذاكرة اليوم لكان لهم اختيار اخر بعد ان عرفوا ان حرية المواطن وحرية الوطن كل لا يمكن تجزئته.

الحقيقة ان معركة سقوط بغداد لم تبدأ ليلة انطلاق شرارة الحرب بل بدأت قبل ذلك بكثير. بدأت في مراكز اعتقال امتهنت فيها كرامة الإنسان وحريته. بدأت على يد من زوروا استفتاء رئاسة صدام التى حصل فيها على 100% منافسا مكانة المولى تبارك وتعالى نفسه في نفوس العراقيين. بدأت على يد عواد البندر القاضي الظالم الذي حكم على الأبرياء بالإعدام. بدأت على يد حزب البعث الذي اختصر الوطن في حزب وراح يتفنن في اساليب قمع المعارضين والتسلط على الخلق والعباد. بدأ على يد إعلام فاشل استخدم الصورة في ارهاب الناس وفي التضليل الإعلامي حتى اخر لقطه اختفى بعدها محمد سعيد الصحاف وشخصن امال وآلالام الوطن في صورة رجل يرتدي القبعة الغربية ويطلق النار في الهواء بيد واحده مثل رجال الكاوبوي. بدأت هزيمة الوطن عندما بدأ العراقيون في الهجرة هربا بحياتهم وتركوا نهبا للضياع والشتات وبعضهم نهبا للعماله او العمل طوعا او كرها لصالح اجندة أعداء الوطن.
إن الحقيقة الأكثر مراره من هذا كله ان هذه المشاهد مرشحه للتكرار في أي وطن يتم فيه اذلال المواطن وتستباح كرامته وحريته من قبل أبناء وطنه. اننى لا ارسل هذه الرسالة لنظام هنا او هناك فهؤلاء وهؤلاء عرفوا مصيرهم حيث القمع هو طريقهم الوحيد الذي ظنوه من أجل البقاء ولكنى اوجه هذه الرسالة لمن يتعظ ممن يعمل على تمهيد ارض وطنه لغزو المجهول او عدو خارجي. إن تعذيب واذلال وامتهان كرامة أي انسان ليست جريمة فردية في حق هذا الإنسان أو ذاك بل هي جريمة كبرى في حق الوطن حين يسلب انتماء المواطن حتى ينتهي الأمر الى ضياع مستقبل وحرية الوطن نفسه وهي جريمة لا يمكن ان يعتذر عنها أبدا بأنه كان "عبد المأمور".