الثلاثاء، 1 يناير 2008

الإداري والمتخصص

توقفت كثيرا امام قرار بيل جيتس اغنى رجل في العالم صاحب شركة ميكروسوف الأمريكية العالمية بالتنازل عن لعب دور المسئول الإداري لمؤسسته العملاقة ليتفرغ لمسئولية تطوير منتجات الشركة التى يحتكر برنامجها الويندوز "النوافذ" الغالبية العظمي من أجهزة الكمبيوتر حول العالم. لقد تعامل الرجل مع مصلحة مؤسسته بمنتهى الموضوعية فشركته ستتستفيد منه اكثر إذا ما تفرغ لتطوير منتجات شركته وليس بمتابعة شئونها الإدارية التى يمكن ان يجد لها من هو اصلح منه.
الحقيقة ان هذا الموقف من الرجل يكشف لنا عن كثير جدا من الإشكاليات التى تواجهها كثير جدا من المؤسسات والجماعات اليوم بل ويصل الأمر ايضا الى اماكن بارزة في سدة الحكم هنا وهناك.
الحقيقة ان القدرات الفذه لكثير من الأشخاص لا تعنى بالضرورة انهم يمكن ان يكونوا اداريين ناجحين. فالعالم في معمله قد يخدم وطنه كثيرا ويصبح نعمه عظيمه لبلده وامته ولكنه يمكن ان يتحول الى كارثة محققة اذا ما تحول الى مدير يقود اشخاصا ويوظف موارد اقلها ان تفتقده في المكان الذي يحسن ان تجده فيه واكثرها ان تتخبط المؤسسة بالكامل بسبب عدم قدرته مثلا على حسب الأمور او جهله بالقواعد والقوانين الأساسية التي تحكم المؤسسات او القدرة على التعامل مع مختلف صنوف البشر واحتياجاتهم المختلفة.
ومن ثم فإن الإكتشاف المبكر لأصحاب القدرات الإدارية وتنمية مهاراتهم الإدارية وتجهيزهم للمهمة التى ستوكل إليهم مستقبلا جزء مهم جدا من عمل المربي والمدير الناجح. فعند نقطه معينة يظهر كل منا قدرات خاصة وتبرز امكانات او ميل الى التخصصية حيث يظهر المعلم مثلا انه اكثر عطاء مع الطلاب في حين انه يبدو ضعيفا إذا ما تولي الإشراف على عمل ما في المدرسة.
والمهم ايضا ان تخلق المؤسسة مناخا صحيا يقدر المتخصصين من حيث الوضع والمكانه بحيث ينال ذات المكانة والتقدير الذي ناله المدير فلا يشعر بالغبن لأنه سيظل طوال حياته يعلم الأجيال بل تزيد مكانته بوصفه خبير ويحصل على تقدير مادي ومعنوي ربما اكبر مما كان سيحصله لو انه تدرج في سلك الإدارة.
والأهم في نظري هو ايجاد قناعة ومناخ تربوي ملائم يوجد عناصر تستطيع ان تتعرف على قدراتها بشكل جيد وتكتشف قدراتها الذاتية وتحس بالرضا الوظيفي بالدور الذي تلعبه مهما بدا في نظر الناس قليلا. وهو جهد تربوي شديد الأهمية ويقوم على مهارة الإكتشاف للمواهب الخاصة بالأفراد وتنميتها وخلق وعي وثقافة لدي الفرد والمجموع بأن هذه الموهبه وهذا الدور هو الأهم والأصلح له وللمؤسسة. تماما مثلما أدرك بيل جيتس انه بوصفه صاحب المال الذي يوصف في امثالنا بأن قلبه "شقيان" لا ينبغي أن يشقى من اجل المال في حد ذاته بل على تطور العمل وان الجهد الفنى لا يقل اهمية عن الجهد الإداري بل يفوقه لأنه عنوان الإستمرار على المدي الطويل.
وفي مؤسساتنا في مصر عندما يبشر الموظف بأنه اصبح كبير اخصائيين وليس مديرا عاما فإنه غالبا ما يتوارى من سوء ما بشر به، بل وينعي ويندب حظه على اعتبار ان مستقبله الوظيفي انتهى وانه- إن جاز التعبير- قد دخل "الثلاجة" بالمصطلح العامي المصري. في حين ان وضعية كبير الإخصائيين هي وضعية الخبير الذي يجب ان يحظى بالتقدير المعنوي والمادي بل والتميز على كل المستويات.
وعليه ايضا فإن وصول رجل مثل الدكتور أحمد زويل الي سدة الحكم ممن رشحوه لرئاسة مصر أيام احلام التغيير السياسي في مصر المحروسة لا يعني ان مصر يمكن ان تصبح افضل ما لم يأت من يقول لنا إن الدكتور زويل مؤهل اداريا بنفس قدراته العلمية لقيادة بلادنا.
إن التخبط والإلتباس الشديدين في العلاقة بين الإداري والمتخصص والأدوار المنوطه بكل منهما وغياب الثقافة المجتمعية العامة التى تقدر مكانة الخبرة والتخصص وتضع نفوذ وتسلط وسطوة الإداري ووجاهته الإجتماعية في حجمها الطبيعي بلا إفراط ولا تفريط وكذا عدم وجود التربية الواعية التى تكشف للفرد قدراته وتدربه وتؤهله نحو افضل السبل لحسن توجيهها هي أحدى أهم اسباب الكوارث الإدارية التى تشهدها مصر هذا فضلا عن انها من اهم اسباب المشكلات التى تواجهها اية مؤسسة او جماعة تسعى للتقدم.