تثير الحرب الشعواء والهجمة الشرسة والملاحقة حامية الوطيس للإخوان المسلمين تساؤلات كثيرة على الساحة السياسية عن السبب الحقيقي وراءها. هل السبب هو ان الأخوان تهديد فعلي للأمن القومي كما ردد بعض كبار المسئولين في النظام المصري؟ هل هذه الحرب نتيجة موقف الأخوان من مشروع التوريث الذي يجري على قدم وساق؟ هل الحرب بسبب ترتيبات للانتخابات وشيكة الحدوث في مجلس الشعب او ترتيبات لما بعدها على رئاسة الجمهورية؟ أم السبب أن الأخوان يقومون حاليا بانتخابات مجالس شورى هياكلهم الداخلية ومن ثم فالدولة تريد ان تعرقل مثل هذا الأمر؟ أم أن الأخوان هم القوة السياسية الوحيدة الفاعلة في مصر المنافسة للحزب الحاكم، ومن ثم فإنها تنال القسط الأوفر من الضربات من جانب النظام؟
قد يملك البعض إجابات بنعم على هذه الأسئلة ولكن السؤال الأهم هل تكفي هذه الأسباب وحدها لتعلن الدولة هذه الحرب الشعواء على اكبر الجماعات الإسلامية في مصر المحروسة. ربما نعم وربما لا.
الحقيقة ان نهج نظام الرئيس حسني مبارك تحديدا مع الأخوان منذ أن جاء للحكم مر بمراحل بدأت في السماح لعودة الأخوان شأنهم في ذلك شأن كافة القوى السياسية في مصالحة مع كل اطياف العمل السياسي وقتها مع عدم الاعتراف للإخوان تحديدا بشرعية الوجود الرسمي والذي تمثل في إشارة الرئيس باستقبال كل من اعتقلهم الرئيس الراحل أنور السادات عدا قيادات الأخوان المسلمين.
وكانت الإعتقالات في صفوف الأخوان تتم في المستويات الدنيا بهدف تحديث قاعدة بيانات اجهزة الإمن بالأعضاء الجدد في الجماعة والتعرف على اخبارها ولكن حدث تحول في علاقة النظام مع الأخوان في اعقاب الفوز التاريخي للإخوان في نقابة المحامين وسيطرتهم تقريبا على النقابات الفاعلة في البلاد وعندها استشعر النظام خطر الأخوان وما اعتبره زحفا على الحكم لذلك بدأ في توجيه الضربات للإخوان وسن القوانين التى تقيد تواجدهم في مؤسسات المجتمع المدني مثل ما عرف بقانون ديموقراطية النقابات، ولكنها مع ذلك كانت في اطار استراتيجية الدولة التى تعمل على إضعاف كافة القوى السياسية الفاعلة وحتى غير الفاعلة في البلد لكي يستتب الأمر للنظام ولا يكون له بديل فعلي على الساحة. وهذا يفسر بعض الضربات شبه الدورية التى تتم من وقت لآخر في صفوف الأخوان وقبيل الانتخابات والمناسبات المهمة على وجه الخصوص.
ولكن التحول الدرامي في علاقة الأخوان مع النظام جاء في إعتقادي نتيجة رد فعل خارجي للنجاحات التى حققتها حركة حماس على الساحة الفلسطينية بوصفها الذراع الضارب للإخوان المسلمين في فلسطين. لقد خرجت حماس من الانتفاضة الأولى القوة الثانية الأبرز على الساحة الفلسطينية بعد حركة فتح ولذلك اتحدت ارادة الداخل مع ارادة الخارج في تحجيم الأخوان في مصر بداية لدفع اخوان مصر للضغط على اخوان حماس للتراجع عن مواقفهم خاصة مع تصاعد وتيرة المفاوضات بين فتح واسرائيل حول مباحثات السلام بتدخل امريكي مباشر.
وشهدت هذه الفترة اشتداد وتيرة المحاكمات العسكرية وانتهاج الدولة لسياسة ضرب مفاصل الأخوان بما يجعل الجماعة حية ولكنها لا تستطيع الحركة إذ تحول تركيز الضرب والملاحقة لقيادة الجماعة الفاعلين بما يحقق هدف الدولة وهو اضعاف الجماعة والتصوير للولايات المتحدة واسرائيل انها ماضية في حربها ضد الجماعة. بحيث اصبح للإخوان ممثلون دائمون في السجون المصرية.
ولكن الأخوان وقد اعتادوا مثل هذه التكتيكات من الدولة بل واكثر منها من قبل نجحوا في التعايش مع الوضع بشكل عجيب بطريقة جعلت تلك الضربات اقل فاعلية وتأثيرا على الجماعة ومؤسساتها. وكان يظهر هذا النجاح جليا في كل مناسبة تسنح تعبرفيها الجماعة عن موقف سواء كان مشاركة في انتخابات أو مظاهرات ضد الحرب على العراق وأفغانسان وحروب والمذابح المتعاقبة في فلسطين وكذلك في المظاهرات التى نادت بالإصلاح في مصر وأخيرا وليس بآخر في انتخابات عام 2005 والتى برزت قوة وشعبية الأخوان بشكل استدعى لجوء قيادة سياسية كبيرة جدا في البلد للاتصال برئيس وزراء اسرائيل وطلب مساعدته في التدخل شخصيا لدى الإدارة الأمريكية لوقف مطالبتها لها بعمل انتخابات نزيهة حيث كانت الولايات المتحدة تسعى لفرض الديموقراطية في الشرق الأوسط لتحسين صورتها في المنطقة وتقليل موجات الغضب والإرهاب المتصاعدة ضدها في المنطقة نتيجة مساندتها للأنظمة الديكتاتورية. وهذا يفسر التحول الكبير في انتخابات مجلس الشعب في انتخابات الإعادة في المرحلة الثانية والمرحلة الثالثة والتى عاد فيها النظام إلى أسلوب الحديد والنار وتقفيل اللجان ومنع الناخبين.
ولكن النقلة النوعية الكبرى في علاقة الأخوان مع النظام والغرب جاءت بعد فوز حماس الكاسح في الإنتخابات الفلسطينية وتشكيلها أول حكومة فلسطينية لرئيس الوزاء فيها سلطات واسعة وهو ذات المنصب الذي كانت الولايات المتحدة واسرائيل وحلفاءهما يريدونه للسيد محمود عباس قبل أن يرحل ياسر عرفات بطريقة أو بأخرى ويحل محمود عباس مكانه.
لم يكن في حسبان الولايات المتحدة ولا اسرائيل أن تحقق حماس مثل هذه النتيجة وانقلب السحر على الساحر وجاءت حماس واشتد الحصار والمؤامرات على حكومتها ليشترك فيها الجميع ليس فقط اسرائيل وامريكا وأوروبا عموما بل ما عرف بدول الإعتدال وفتح. وهنا برز مجددا دور اخوان مصر كخط دفاع مادي ومعنوى عن حماس والقضية الفلسطينية عموما. وجاءت حرب الفرقان على غزة لتظهر وتكشف بل وتعري كل المواقف بما لا يدع مجالا للتجمل وبدا الأمر كما وأن حماس والأخوان المسلمين في جانب والعالم كله في جانب اخر بإستئناء بعض الدول القليلة والأفراد من المقاومين للمشروع الصهيوني الأمريكي.
وخرجت اسرائيل مهزومة من الحرب على غزة ولكنها كما في الحالة اللبنانية بعد حربها على حزب الله حاولت ان تنال بالسياسة والضغط ما لم تستطع تحقيقه بالحرب فتداعت الدول الغربية لنصرتها ووقعت وزيرة خارجيتها لفينى اتفاقية مع الولايات المتحدة لإحكام الحصار على غزة.
ومن ثم تأكد للجميع أن هزيمة حماس في فلسطين تبدأ غبر ضرب الأخوان في مصر وعقاب الجماعة لدورها في حرب غزة ودعم حماس وهنا اشتعلت موجة الاعتقالات مرة اخرى والتى كانت موجهة بالأساس للقيادات الفاعلة في دعم القضية الفلسطينية والساهرة على الجهود الإغاثية للشعب الفلسطيني.
هناك نقطة يجب ان نطرحها في هذا السياق هو ان الولايات المتحدة ليست اوباما فالمؤسسات والقوى الفاعلة فيها أكبر من أن يتجاوزها او حتى يتجاهلها اي رئيس. وامريكا كثيرا ما تقول في العلن عكس ما تفعله في السر، فكثير من الأحزاب تم حظرها بضعوط امريكية وحقوق الإنسان والديموقرطية لم تكن يوما سوى مطية تحقق بها اغراضها. فهي مثلا سيف مسلط على رقبة ايران والسودان في الوقت الذي تغط في نوم عميق في الحالة التونسية.
لذا لم يكن من الغريب أو من قبيل المصادفة أن تتواتر انباء الاعتقالات في صفوف الأخوان المسلمين للتزامن مع زيارة الرئيس مبارك للولايات المتحدة بعد فترة قطيعة طويلة. إذ يجب أن يظهر النظام انه حازم في تعقب الأخوان المسلمين في مصر لتحجيم دورهم في مساعدة فرعهم في فلسطين وكذلك عليه أن يوضح أن حصار حماس بتعقب الأنفاق - التى وصل عدد ما كشف منها الى 350 – هذا بالإضافة الى مئات مخازن الأغذية بل وحتى المواشي التى ضبطتها القوات المصرية وقيل إنها كانت معدة للتهريب الى غزة. ويقدم النظام الدلائل على ذلك لعشرات الوفود الأمريكية والأوربية التى تزور الشريط الحدودي بشكل دورى.
ولكي نستبعد او نضع باقي الأسئلة السابقة في حجمها الطبيعي وخاصة فيما يتعلق بموضوع التوريث نقول ان التوريث في مصر يقوم على محورين
الأول: تجهيز خارجي: وذلك بتسويق السيد جمال مبارك دوليا لينال الشرعية الدولية وهو الأهم.
والثاني: تجهيز داخلي بتهيئة المناخ داخليا لنقل السلطة من الأب الى الأبن.
يخطئ من يظن أن شرعية النظام مستمدة من الشارع. فلم تكن الانتخابات الرئاسية في مصر يوما سوى ديكور او شئ لزوم الشئ لترسيخ واقع قائم. ومن ثم فإن الشرعية الداخلية كانت تأتي إلى عهد قريب من مؤسسات سيادة. ولا اعتقد أن أيا من هذه المؤسسات يمكن ان يكون له كلمة في نقل السلطة من الأب الى الأبن إذا تم ذلك والرئيس على قيد الحياة. ولكن قد يبرز دورها اذا ما تمت المحاولة بعد وفاة الرئيس بغض النظر عن قوة التمكين الحالية للأبن في الحزب الحاكم وحكومته.
وهناك – في اعتقادى- قوى وافراد أعلى صوتا وأشد مجاهرة برفض التوريث من الأخوان رغم أن الأخوان هم الوحيدون الذين يمكن أن يجلعوا للشارع كلمة في التوريث مع الشك في مدى فاعلية هذا الشارع في إحداث نقلة نوعية أو هزة كما حدث في الحالة الإيرانية في موجة الغضب ضد نتائج الانتخابات الأخيرة.
وللنظام سابقة تمرير التعديلات الدستورية رغم الاحتجاجات التى قام بها الأخوان والقوى الأخرى والمعارضة ضد الخروقات التى أحدثها النظام في الدستور المصرى.
وأعتقد أن تجربة تسويق السيد جمال مبارك محليا رغم تكرار المحاولات كانت دائما ما تبوء بالفشل لتنبه النخبه لمقاصدها والتنبيه الدائم حول اهدافها. لذلك كلما كان النظام يتخذ خطوة فإنه ما يلبث ان يتراجع ويتوقف وقد يكون الهدف الوحيد من تكرار المحاولة هو التذكير أن المشروع قائم بما يجعل الأذهان مستعدة دائما لمثل هذا الواقع. وهو على اي حال إحدى وسائل فرض الأمر الواقع.
لذلك فإن مشروع التوريث يتم داخليا على مستوى التمكين السياسي وفرض الأمر الواقع وأعتقد أن المشروع من هذه الناحية قد أوشك على النضج إذا كان الهدف أن يكون التوريث والرئيس على قيد الحياة.
هناك خطوة حاسمة وهي الأهم تتمثل في تسويق السيد جمال خارجيا وهنا يحاول النظام عرضه من وقت لآخر للوصول لقبول للفكرة وهذه السياسة القائمة على طرق الأبواب قد تنجح في نهاية المطاف ولكن بثمن. قد يكون هناك ثمة قرار غير معلن في الإدارة الأمريكية بقبول فكرة التوريث ولكن الذي يمنع القبول العلنى هو الإصطدام بالقوى الداخلية والشارع الذي أعتقد أن الولايات المتحدة تحسب له حسابا ربما أكبر من رئيسها خاصة اذا كان رد الفعل عاليا وصاخبا. وقد يكون السبب أيضا في عدم الإعلان عن القبول هو استيفاء اوراق اعتماد الابن وقيام الأب بدوره كاملا بما يثبت صلاحيته لنيل مثل هذه الجائزة. وهنا نعود لحماس مجددا التى تقع في القلب من الصراع مع المشروع الصهيوامريكي. وإذا عدنا لحماس فإننا سنعود مؤكد للإخوان. فعلى النظام ان يحدث انجازا في ملف حماس إما بالقضاء عليها او ترويضها.
لذا فسيظل ملف الأخوان والإعتقالات مستمرا بل وسيشتد في بعض الأحيان.
وهنا يبرز سؤال وما هي استراتيجية الأخوان أمام مثل هذه الاعتقالات والمطاردات والتضييق والضرب. لا أزعم اننى أملك إجابة شافية لهذا الموضوع فقيادة الأخوان أجدر بأن تجيب عنها ولكن ما اتصوره ان اي ثمن دفعته او قد تدفعة الجماعة يعتبر زهيدا جدا إذا ما قورن بحجم وخطورة القضية الفلسطينية وأهمية بقاء المقاومة للمشروع الصهيوامريكي في فلسطين الذي تحمل حماس اليوم لواءه بإمتياز.