الجمعة، 4 مارس 2011

مصر بين الجمهورية الديموقراطية الأولى و الفرعونية الثانية

لا أدري لمن سيبنى المصريون هرمهم الرابع؟! للديموقراطية ام لفرعون جديد.
اسمحوا لى ان اسجل أن بواردر أول انقسام هيكلى في الثورة المصرية قد بدأ الأن بين من يريد أن يبدأ ببناء الهرم الديموقراطى الرابع من القاعدة الى القمة وبين من يريد ان يبدأ البناء من القمة الى القاعدة. لعل هذا الخلاف بدأ واضحا في اعقاب تلك الاجتماعات التى قادتها فجأة صحيفة المصرى اليوم والتى للحقيقة بدأت ارهاصاتها في صورة فردية حتى تحولت إلى اتجاه يأخذ الثورة في منحى البدء بانتخاب الرئيس وتأجيل الإنتخابات المحلية والبرلمانية الأخرى لحين تشكل احزاب تستطيع المنافسة على افتراض أن البدء بالانتخابات البرلمانية سيحصر المنافسة الإفتراضية بين الحزب الوطنى والأخوان المسلمين.
هذا المشهد مسكون أيضا بسيناريو الفزاعات التى نتصور أن الشعب المصرى الذي قام وثار واحرق اول ما احرق مقار الحزب الوطنى هو الذي سيعيد رجاله طواعية الى المشهد السياسي مرة اخرى مع العلم ان الذي دفع بهولاء للحياة البرلمانية هو التحالف بين مؤسسة الرئاسة وسلطة المال وليس الإرادة الشعبية. واذا علمنا أن الأسس الرافعة للحزب الوطنى قد انهارت نكون قد عدنا لفزاعة الأخوان المسلمين باعتبارهم القوة المنظمة صاحبة الشعبية الحقيقية الموجودة على الساحة السياسية الأن في مصر. وإذا علمنا أن الأخوان اكدوا انهم لن يسعوا الى اغلبية برلمانية ندرك ان الهدف هو مجرد استخدامهم كفزاعة للبعد عن خيار بناء هرم مصر الرابع من القاعدة الى القمة والدفع بالبلاد نحو خيار البناء من القمة الى القاع لهدف ولغرض معين يريد ان يدفع البلاد في اتجاه يخدم مصالح ليست بالضرورة تلك التى انطلقت الثورة من أجلها.
وإذا كان هذا الخيار غير عملى منطقيا في دنيا الأشياء، إلا أن هذا الأمر مفصلى في تصور مفترق الطرق الذي وصلت إليه الثورة اليوم وهو هل ستبنى مصر الجمهورية الفرعونية الثانية ام ستبنى الجمهورية الديموقراطية الأولى؟
أحسب ان خيار بناء الهرم الديموقراطي من الرأس الى القاعدة سيقود مصر مباشرة إلى جمهورية فرعونية جديدة وذلك لأسباب شديدة المنطقية.
1- إن أي رئيس سينتخب سيسعى إلى تكوين فريق عمله الذي سيغطى سلطات الدولة التنفيذية والتشريعية بل وحتى القضائية. ومن ثم فإنه سيسعى أن يكون له حزب في البرلمان يسانده حتى ولو لم يكون رئيسه فمن المنطقى أن لا يسمح أن يكون هناك برلمان في واد يعطل قراراته وتصوراته. وبالنظر الى طبيعة الأمور التى جرت على مر السنوات منذ قيام الثورة واستعداد أعداد غير قليلة للتلون لتناسب كل مرحلة أن يتحول الرئيس الجديد الى مغناطيس يلتف حوله مجموعة من حملة المباخر والأكلين على كل الموائد وأصحاب المصالح ليعود الوضع إلى شكل قريب من الوضع السابق بأصباغ جديدة.
2- إن الرئيس المنتخب إذا ما قاد عملية إعداد دستور جديد سيوجه اللجنة المنوط بها هذا الأمر بطريقة او بأخرى نحو خلق دستور "رئاسي" بدلا من ان يكون "برلمانيا" إما بالإبقاء على الوضع المتميز للرئيس في الدستور الحالى او التخفيف منه ولكن إلى مستوى يبقى الدستور "رئاسيا".
3- إن القاعدة التى سينتخب عليها الرئيس الجديد والتى يمكن أن تصل لأول مرة إلى 55 % مثلا ستجعل من الرئيس الجديد رهينة للجهات التى ساندته بل وربما حارسا لمكتسباتها. وبالتالى سيعمل هو وتلك الجهات فقط على توجيه دفة الأمور في البلاد إلى الوجهة التى تخدم مصالحهم وليس بالضرورة مصالح الجماعة المصرية,
أما خيار البناء من القاعدة إلى القمة في ضوء لوحة الفسيفساء التى تكونت منها ساحة التحرير وبما يعكس القوى الفاعلة فيه على اختلاف توجهاتها والتى إن تركت للتطور بالشكل الذي أخذ في الظهور مع تطور الثورة في صورة هيئة ائتلافية قائدة للثورة فإننا سنكون امام برلمان يعكس الأطياف السياسية ويعكس إرادة القاعدة العريضة وبالتالى:
1- سيأتى الدستور الجديد "برلمانيا" يقلص من صلاحيات الرئيس ويعزز الفصل بين السلطات.
2- سيأتى الرئيس الجديد أمام مشهد يفرض عليه العمل مع حكومة أئتلافية تعكس الوضع الحقيقى في الساحة السياسية.
3- سيمنع مثل هذا الأمر التفاف عصابات فرعنة الرئيس حول الرئيس مجددا والعمل على إفساد الحياة السياسية حيث سيكون البرلمان قويا قادرا على محاسبة الرئيس لا مجرد تابعا له.
لست في مجال حصر مميزات وعيوب طريقتى بناء الهرم الديموقراطى. ولكننى أقول إننا أمام مفترق طرق يجب الانتباه والتروى قبل الاندفاع نحو هذا الطريق أو ذاك. الحقيقة أننا أمام مشهد جديد لا أظن أنه برئ تماما لمن يقولون بأن البناء يجب أن يبدأ من الرأس والذى في أسوأ الفروض سيأتى برأس جديدة لجسد قائم او رأس جديدة تتلمس بناء جسد على مقاسها او هو ترتيب جديد للبيت على أسس اقصائية لقوى وتيارات معينة تدفع اليه وبشدة تيارات داخلية وخارجية.
هل ستبنى مصر هرمها الرابع لفرعون جديد أم ليكون صرحا لأول ديموقراطية شعبية في تاريخ مصر

ليست هناك تعليقات: