دار في ذهنى سؤال ذهبت ابحث له عن إجابة. ايهما أشد جمودا الليبراليون والعلمانيون واليساريون ام الإسلاميون؟ إذ دائما ما يتردد عن القوى الإسلامية ليس في مصر وحدها ولكن في جميع انحاء العالم عامة والعالم العربى والإسلامى بأنها قوى رجعية مخاصمة للحياة ومقصية للآخر ولأصحاب الديانات والأفكار الأخرى وتدعو لحكم رجال الدين وصورة الحاكم الذي لا معقب لحكمه بوصفه ظل الله على الأرض. وطوال العقود الماضية ظل الإسلاميون في وضعية المتهم بل والمحكوم عليه بهذه النقيصة فأصبح من الطبيعى والتلقائى ان يكون مكانهم الطبيعى السجون والمعتقلات وعلى اقل تقدير العزل والاستبعاد السياسى.
وطوال هذه الفترة تمترس فيها الليبراليون والعلمانيون خلف كل او بعض اجهزة الدول ابتداء بالمؤسسات الرئاسية والعسكرية مرورا بالمؤسسات القضائية والشرطية انتهاء بسيطرة شبه كاملة على الإعلام كما حدث في الاتحاد السوفيتى القديم وتركيا قبل وصول حزب العدالة والتنمية وتونس وغيرها من الدول وبذلك تمتع العلمانيون والليبراليون واليساريون بأرضية اختلفت في درجة قوتها من بلد لأخر تسمح لها في تعقب التيارات الإسلامية المسماه كوديا "رجعية" ليل نهار.
وطوال السنوات التى تم فيها رفع شعار فصل الدين عن الدولة حتى وصل في بعض الأحيان ما يشبه فصل النور عن المسجد بالتعامل مع من يذهب الى المسجد باعتباره مشتبه فيه كما في الحالة التونسية او سبب كاف للعزل من الخدمة العسكرية كما في الحالة التركية لدرجة ان هناك كان من يتحايل من ضباط الجيش التركى بجمع الصلوات عندما يختلى بنفسه في نهاية النهار يتم ضبطه متلبسا بذلك عن طريق معرفة اتجاه شعر يديه ورجله بعد الوضوء. لا تعجب فهذا حدث بالفعل وربما يحدث للأن. طوال هذه السنوات انقسم الإسلاميون على الأرض او في غياهب السجون بين من احتكم إلى السلاح في وجه سلطات الحكم مما أدى الى إشاعة ما اصطلح على تسميته بالإرهاب وبين من ذهب يبحث فى ذخيرة الإسلام عن مواقف فقهية واحداث في السيرة النبوية وتطبيقات عملية من اصحاب واتباع الرسول صلى الله عليه وسلم تعكس ردودا لكل تلك الإتهامات والأحكام سابقة التجهيز التى أشاعها اصحاب التيار العلمانى واليسارى والليبرالي.
وفي الوقت الذى اندحر فيه التيار الأول الذي لجأ للسلاح لحل مشكلة اقصاء الإسلام عمليا من الحياة ولم يجد له انصار حتى من المحسوبين على هذا التيار واشهرت في وجوههم مئات الفتاوى من علماء المسلمين كان التيار الأخر يجد فى ذخيرة الإسلام ما يمكن ان نسميه عقيدة ناصعة تربط الإسلام بالحياة دون ان يتسبب ذلك في اقصاء الأخر او اصحاب الديانات الأخرى او يشرع لمفهوم الدولة الدينية بالمفهوم المسيحى.
فظهر تيار اسلامى وسطى يتحدث ان الأمة هى مصدر السلطات يؤمن بالديموقراطية وتداول السلطة ومحاسبة الحاكم وحرية تكوين الأحزاب وحق الشعب في انتخاب وعزل حاكمه ولكن دون المساس بثوابت الدين- اى دين- على اعتبار ان من يفعل ذلك هو في الحقيقة ينطح رأسه في الصخر.
وظهرت رؤى فقهية واضحة حول حقوق المواطنين من اصحاب الأديان الأخرى تحفظ لهم حقوقهم في حرية الإعتقاد والعبادة وتطبيق شرائعهم فيما يخص احوالهم وعدم التعامل معهم بوصفهم ذميون مطالبون بدفع الجزية لأنهم في الحقيقة والواقع شركاء في الوطن يدافعون عن امنه وحدوده ويدفعون الضرائب.
والأخطر ان تطبيقات التيار الإسلامى ظلت تقاوم ظلم الحكام بالكلمة والمظاهرات والمشاركة في الإنتخابات بما يظهر بجلاء ان الحاكم في الإسلام ليس ظل الله في الأرض ولكنه مجرد اجير عند الأمة يخطئ ويصيب ويرد بل ويعزل عندما يفقد صلاحيته للحكم. ولم يتطلب ذلك بحثا طويلا في دين يقول نبيه صلى الله عليه وسلم: "سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب، ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله."
وبينما كان فيه الإخوان المسلمون والمفكرون الإسلاميون المعتدلون يقفون فى مواجهة النظام الفاسد في الإنتخابات والمظاهرات والمواقف الواضحة كانت الأغلبية الساحقة من التيار الليبرالى والعلمانى واليسارى إما فى خندق النظام تدافع عنه وتتماهى فيه على اعتبار ان البديل "رجعى دينى" راضية بما يرميه النظام من ادوات إعلامية ومناصب في وزارت التوجيه الجماهيرى (الثقافة والإعلام تحديد) و هياكل أحزاب كرتونية أو دخلت في معركة مع النظام والتيار الإسلامى على حد سواء.
لم يحاول اى من رموز التيار الليبرالى والعلمانى واليسارى اعادة قراءة الإسلام لعله يكون مختلفا عن بقية الأديان فيما يخص الحياة والحكم ولم يستطعوا التعامل مع شواهد لا حصر لها من ايات واحاديث ومواقف وسير تظهر ان الإسلام فعلا دين ودولة ولكن ليست بالمفهوم الغربى للدولة الدينية. لم يحاولوا اعادة انتاج نموذج ليبرالى او علمانى او يسارى له مرجعية اسلامية.
وفي المقابل فعلى الرغم من خلافى الشديد مع بعض رموز وافكار تيار الجهاد والجماعة الإسلامية والسلفيين إلا اننى وجدت بعد 25 يناير تحولات مذهلة في مواقف تلك التيارات التى كانت فيما سبق اشبه بالجبال الرواسى في نظرتهم للمظاهرات وحقوق الأقباط والأحزاب والعمل السياسى بل والدعوات لتطبيق الديموقراطية داخل تلك التيارات.
لقد اصبحت بعض التيارات الإسلامية مثل حزب العدالة والتنمية في تركيا والإخوان المسلمين في مصر والنهضة في تونس وغيرهم مؤهلة تماما وفعلا لتقديم نموذج اسلامى رشيد لحكم دولة مدنية حديثة فى الوقت الذى لا تزال القوى الليبرالية والعلمانية واليسارية تناطح الصخر في محاولتها فصل الدين عن الدولة وإقامة محاكم تفتيش على الضمائر او بتقديم حجج واهية مثل عدم تلويث الدين بالسياسة كأنه مكتوب على السياسة ان تظل ملوثة وقبيحة او بحجة عدم ادخال الثابت في المتغير كأن الحكم وإدارة الدولة ثلاث او اربع ركعات مثل الصلاة.
إن اخشى ما اخشاه ان ينتهى تنظيم القاعدة من مراجعة نفسه ويتجه نحو التيار الوسطى الإسلامى قبل أن يتوقف الليبراليون والعلمانيون اليسار عن مناطحة الصخر و يدركوا ان بإستطاعتهم تقديم نماذج عربية واسلامية لليبرالية وعلمانية يمكن ان تتماشى مع دين مدنى بإمتياز اسمه الإسلام
الثلاثاء، 29 مارس 2011
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق